أرشيفات الوسوم: العراق

قناة السويس بين السيادة المصرية والتبعية الغربية (5)

بعد أن تناولنا في المقالات السابقة المعاهدات التي تمنع مصر من المشاركة في العداون على أي دولة عربية من خلال السماح للسفن الحربية المعتدية عبر قناة السويس إلتزاماً بإتفاقية الدفاع العربي المشترك وعدم جدوى الإرتكان إلى معاهدة القسطنطينية للظروف التي سبق وأن حللناها نتناول في هذا المقال مدى مشروعية المشاركة في العداون على أي دولة عربية كانت أم أجنبية سواء كانت هذه المشاركة عن طريق مباشر أو عن طريق تسهيل العدوان بشكل غير مباشر كتيسير حركة السفن الحربية عبر القناة .

بداية نلقي الضوء حول محاولات عصبة الأمم تجنيب العالم ويلات الحروب والكوارث التى شهدها قبل إنشائها وبالتالى كان من الطبيعى فرض القيود على شن الحروب وصولاً إلى تحقيق السلام للبشرية. وقد ميز العهد بين نوعين من الحروب، الحروب المشروعة والحروب العدوانية غير المشروعة.

والحروب المشروعة بمقتضى عهد عصبة الأمم كانت فى الحالات الآتية :

1-  لجوء الدولة إلى الحرب بغية فض نزاع دولى تكون طرفاً فيه بعد عرض هذا النزاع على التحكيم أو القضاء أو مجلس العصبة أو مرور ثلاثة أشهر من تاريخ صدور قرار الهيئة التحكيمية أو حكم القضاء أو تقرير مجلس العصبة بشرط أن يكون الطرف الأخير للنزاع قد رفض الانصياع لقرار هيئة التحكيم أو الحكم القضائى أو لتقرير  مجلس العصبة.

2-  لجوء الدولة إلى الحرب بغية حسم نزاع دولى تكون طرفاً فيه متى قبلت عرض الأمر على مجلس العصبة، وذلك كلما عجز ذلك الأخير عن اتخاذ قراره فى هذا الشأن بإجماع الآراء، بشرط أن تلتزم الدول فى هذه الحالة بعدم اللجوء إلى الحرب قبل مضى ثلاث أشهر من صدور قرار الأغلبية.

3-  لجوء الدولة إلى الحرب  بغية حسم نزاع تكون طرفاً فيه متى تعلق ذلك النزاع بمسألة تندرج فى صميم السلطات الداخلى لتلك الدولة، وقد استغلت الدول الاستعمارية هذا النص من أجل قمع حركات التحرر الوطنية داخل مستعمراتها حيث كانت تتمسك بقيد السلطات الداخلى بغية تبرير عدم اختصاص العصبة بنظر تلك المنازعات.

4-  حالة الحرب الدفاعية وهو ما يستنتج بمفهوم المخالفة من نص المادة العاشرة من العهد والخاصة بحظر العدوان، ذلك أن الحرب الدفاعية ترتبط بالحق الطبيعى للدول فى استخدام القوة المسلحة بغية رد كل عدوان قد تقع ضحية له.

5-  لجوء الدول إلى أعمال الانتقام العسكرى التى لم يلحقها الخطر الصريح بمقتضى عهد عصبة الأمم.

أما الحروب غير المشروعة :يذهب العهد إلى أنها تلك التى يتم اللجوء إليها قبل استنفاذ وسائل التسوية السلمية للمنازعات الدولية وقد تم تحديدها فى ثلاث حالات :

1-  التجاء الدولة إلى الحرب بغية حسم أى نزاع دولى قد تكون طرفاً فيه قبل عرض ذلك النزاع على التحكيم أو القضاء أو مجلس العصبة.

2-  لجوء الدولة إلى الحرب بعض عرض النزاع للفصل فيه بإحدى هذه الطرق ولكن قبل مضى ثلاثة أشهر من تاريخ صدور التحكيم أو الحكم القضائى أو تعزيز مجلس العصبة الذى يصدر بالإجماع.

3-  لجوء الدول للحرب بغية حسم أى نزاع دولى تكون هي أحد أطرافه كلما قبل الطرف الآخر للنزاع قرار التحكيم أو الحكم القضائى أو التزام بقرار المجلس الصادر بالإجماع ولو بعد مضى ميعاد الثلاث أشهر المتقدم.

وقد اشتمل عهد العصبة فى مادته رقم “10” على مصطلح العدوان لأول مرة ويرى البعض أن نص المادة يضع معياراً موضوعياً للعدوان وهو أن كل ما من شأنه المساس بالسلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسى للدول الأعضاء يعتبر عملاً غير مشروع يستوجب تدخل مجلس العصبة لمنع وقوع العدوان أو لردعه فى حالة وقوعه، وجاء النص على النحو التالى “يتعهد أعضاء العصبة باحترام أقاليم جميع أعضاء العصبة واستقلالها السياسى القائم والمحافظة عليها ضد أى عدوان خارجى وفى حالة وقوع عدوان من هذا النوع يشير المجلس بالوسائل التى يتم بها تنفيذ هذا الالتزام”.

والملاحظ فى ذلك أن مفهوم الحرب المشروعة والحرب غير المشروعة لم يكن بالقدر الكافى لمنع نشوب الحرب لأنه من ناحية لم يربط مفهوم العدوان (الحرب غير المشروعة) بمفهوم المساس أو تعديل الأوضاع الإقليمية لأن معنى هذا المساس أو التعديل كان مباحاً حتى بواسطة استخدام القوة “اللجوء للحرب” وذلك بعد اتباع الإجراءات المشار إليها فى المواد من 12 حتى 15 من العهد.

ومن ناحية ثانية هشاشة الفروق بين الحرب المشروعة والحرب غير المشروعة استناداً إلى الإجراءات السابق بيانها لاسيما أن العهد ألزم الدول الأعضاء باتخاذ تدابير جزائية وفرض عقوبات على الدول التى تلجأ إلى شن الحروب العدوانية فى الوقت الذى أعطى فيه كل دولة مطلق الحرية لتقدير ما إذا كان ما تم ارتكابه يعد عدوان أم لا ولذلك كان من الطبيعى أن تختلف الدول وتصدر قرارات متباينة بصدد الفعل الواحد وذلك تبعاً لما تقتضيه ظروفها السياسية لذلك فإن التطبيق العملى لنصوص عهد عصبة الأمم لم يكن كافياً لحظر العدوان وتحريمه ولم تكن المحاولات التالية كافية لمواجهة الحرب والعدوان مثل مشروع المساعدة المتبادلة وبروتوكول جنيف وميثاق باريس وانتهت كل هذه الجهود بالفشل وقامت الحرب العالمية الثانية .

نشبت الحرب العالمية الثانية شهدت البشرية أهوالاً ومصائب وراح ضحيتها ملايين البشر والضحايا ما بين قتيل وجريح ومعاق وأسير فضلاً عن الخسائر المادية الجسيمة التى أنفقت على الحرب ولعل الفائدة الوحيدة هى محاولة إنشاء تنظيم دولى جديد يكون أكثر قوة ويحل محل عصبة الأمم التى انتهت فعلياً بقيام الحرب العالمية الثانية.

وقد حاول واضعوا ميثاق الأمم المتحدة تلافى عيوب التنظيم السابق وعورات عهده لذلك كان أهم أهداف الميثاق والتنظيم الجديد هو وضع الضوابط الكفيلة بالقضاء تماماً على مبدأ استخدام القوة وبالتالى حظر العدوان ومنعه نهائياً على أمل أن تنعم البشرية بالسلام والأمن [وقد كانت أول إشارة إلى هذا المبدأ العام وإلى نظام دائم للسلام فى – تصريح الأطلسى – الذى أصدره الرئيس الأمريكى روزفيلت ورئيس وزراء بريطانيا تشرشل فى 14/8/1941] الذى انضمت إليه فيما بعد – 47 دولة – جاء فيه (يتعين على شعوب العالم جميعاً أن تنبذ لأسباب روحية وواقعية استخدام القوة بشكل نهائى).

–  ثم وردت أول إشارة إلى اسم الأمم المتحدة فى تصريح الأمم المتحدة الصادر فى أول يناير 1942 والذى أعلن فيه ممثلو ست وعشرين دولة فى واشنطن نصاً مشتركاً أكدوا فيه إيمانهم بالمبادئ التى قررها تصريح الأطلسى.

–  فى 20/10/1943 أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والاتحاد السوفيتى والصين –تصريح موسكو- والذى طالبت فيه بضرورة التعجيل بإنشاء هيئة عالمية تقوم على أساس المساواة فى السيادة بين جميع الدول المحبة للسلام.

–       ثم بدأت مباحثات دومبارتون أوكس فى واشنطن عام 1944 بدقة مشروع إنشاء الهيئة الدولية الجديدة.

–  وفى 25/2/1945 اجتمع روزفيلت وتشرشل وستالين فى مؤتمر يالتا بالاتحاد السوفيتى لبحث أهم الثغرات التى كانت قائمة فى اقتراحات دومبارتون أوكس.

–  ثم وجهت الدعوة لحضور مؤتمر سان فرانسيسكو فى 25/4/1945 وقد ضم هذا المؤتمر خمسين دولة واستمرت اجتماعاته حتى 26 يونيو 1945، حيث تم التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة (الذى دخل دور التنفيذ فى 24/10/1945) وقد جاء الميثاق متضمناً مبدأ حذر استخدام القوة فى العلاقات الدولية وهو المبدأ الذى يستهدف أساساً منع العداوات والحيلولة دون وقوعها أو ارتكابها تحت أى مسمى، ويلاحظ ذلك فى مقدمة الميثاق التى جاء بها : “نحن شعوب الأمم المتحدة قد ألينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب التى جرت مرتين فى حياتنا وجلبت على الإنسانية أحزاناً يعجز عنها الوصف ….. نؤكد مجدداً .. اعتزامنا أن نأخذ أنفسنا بالتسامح وأن نعيش معاً فى سلام وحسن جوار وأن نوحد قوانا من أجل صون السلام والأمن الدوليين وأن نضمن قبولنا  للمبادئ والأساليب اللازمة لها بعدم استخدام القوة فى غير الصالح العام..).

وتمت الإشارة لهذا المبدأ بصورة قاطعة وجازمة فى المادة – 2/4 – من الميثاق والتى تنص على : “يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً فى علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضى أو الاستقلال السياسى لأية دولة أو على أى وجه آخر لا يتفق وممارسات الأمم المتحدة”.

وهكذا جاءت باقى نصوص الميثاق واعتبرت خطوة أساسية وتقدمية فى سبيل الحد من الحروب حيث أن الميثاق لم يفرق بين الحروب العدوانية وغير العدوانية فحرمها جميعاً فكل حرب فى حكمه محظورة سواءً كانت حرب اعتداء تستهدف الحصول على مزايا ومنافع أو كانت وسيلة لحسم نزاع لم يستطع أطرافه التوصل إلى تسويته بالطرق السلمية. وتتميز صياغة المادة 2/4 بأن الحظر لم ينصرف فقط إلى استخدام القوة وإنما يمتد ليشمل – مجرد التهديد باستخدامها – كقيام دولة بحشد قواتها ووضعها دون مبرر على حدود دولة أخرى بغية إجبار هذه الدولة على تنفيذ مطلب معين.

كما أن المادة تجاوزت الثغرة التقليدية الخاصة بعدم تطابق مفهومى حظر اللجوء إلى الحرب – الحرب – واللجوء إلى – القوة – وهو مصطلح هنا يتجاوز حالة الحرب بمعناها الفنى الدقيق مثل اعلان الحرب كما كان يشترط القانون الدولى التقليدى.

كما تميز الميثاق بأن حظر استخدام القوة يشمل الأعضاء وغير الأعضاء وذلك حتى لا يسمح للدول غير الأعضاء بالتهرب من تنفيذ أحكام الميثاق وإطلاق يدها فى استخدام القوة.

ويحسب كذلك للميثاق أنه أدرك أن مواجهة العدوان لا تبدأ بمجرد اقتراف هذا الفعل وإنما تسبق وقوعه بهدف الحيلولة دون ارتكابه.

وهو ما يعنى أن على المجتمع الدولى واجب مواجهة الحرب وجريمة العدوان طالما كانت خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

لأن الأمم المتحدة دأبت منذ مولدها حتى اليوم على ضرورة منع استخدام القوة أو التهديد بها وسايرتها فى ذلك المنظمات الإقليمية، الأمر الذى سار معه تحريم استخدام القوة مبدأ من مبادئ القانون الدولى، فميثاق الأمم المتحدة هو قانون الجماعة الدولية واستناداً إلى هذا الميثاق فإن الخروج عليه هو خروج على الجماعة الدولية مما يوجب مواجهته.

الأمر الذى يجعل من قيام مصر بعدم التصريح ومنع مرور السفن الحربية الصهيونية واجباً والتزاماً دولياً طالما أنه لم يصدر بهذه الحرب قراراً من مجلس الأمن والأمم المتحدة مما يُعد سماح مصر بمرور تلك القطع الحربية خطاً واضح وصريح  فى تطبيق الالتزامات والإتفاقات العربية والدولية ومشاركة في العداون على الشعب الفلسطيني الشقيق كما كان من السماح من قبل للقطع الحربية الأمريكية والصينية بعد ذلك مشاركة في العداون على الشعبين العراقي والسوري الشقيقين.

 

المراجع

* الوسيط الغنيمى – قانون السلام – منشأة المعارف.

* قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة – د. مصطفى الحفناوى – دار النهضة العربية .

* مبادئ القانون الدولى العام – د. سعيد جويلى.

* القانون الدولى العام – د. صلاح الدين عامر – الطبعة الثانية – دار النهضة العربية.

* كل المقتطفات بشأن التطور الذى شهده القانون الدولى بشأن مواجهة جريمة العدوان من رسالة دكتوراه بعنوان “جريمة العدوان ومدى المسئولية القانونية الدولية عنها” إبراهيم زهير – كلية الحقوق – جامعة عين شمس – 2002.

قناة السويس بين السيادة المصرية والتبعية الغربية (4)

نتناول في هذا الجزء من المقال إتفاقية الدفاع العربي المشترك وبعض الإتفاقيات الدولية الآخرى التي وقعت عليها مصر وما تنص عليه هذه الإتفاقيات من بنود تحتم على مصر عدم السماح لأي سفن حربية معتدية من المرور عبر القناة .

بداية نلقي نظرة على إتفاقية الدفاع العربي المشترك والتي تحتم على مصر على أقل تقدير أن تمنع مرور السفن الحربية المعتدية على أي دولة عربية عبر قناة السويس إذ نصت الإتفاقية على أن العدوان على أي دولة من الدول الأعضاء فى جامعة الدول العربية هو عدوان على مصر والامتناع عن اتخاذ التدابير اللازمة للدفاع عنها يناهض ويخالف اتفاقية الدفاع المشترك ولعل منع مرور القوات الحربية ممن سبق ومرت عبر القناة لضرب العراق أو لضرب سوريا واليوم تمر لضرب فلسطين هو الحد الأدنى لتنفيذ إتفاقية الدفاع العربي المشترك.

فقد جاء فى ديباجة اتفاقية الدفاع العربى المشترك “رغبة منها فى تقوية وتوثيق التعاون بين دول الجامعة العربية حرصاً على استقلالها ومحافظة على تراثها المشترك واستجابة لرغبة شعوبها فى ضم الصفوف لتحقيق الدفاع المشترك عن كيانها وصيانة الأمن والسلام وفقاً لمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة ولأهدافها وتعزيزاً للاستقرار والطمأنينة وتوفيراً لأسباب الرفاهية والعمران فى بلادها قد اتفقت على عقد معاهدة لهذه الغاية …..”.

وجاء بالمادة الثانية من الاتفاقية “تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها اعتداءً عليها جميعاً ولذلك فإنها عملاً بحق الدفاع الشرعى – الفردى والجماعى – عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معاونة الدولة أو الدول المعتدى عليها بأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما فى ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما.

وتطبيقاً لأحكام المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية والمادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة يخطر على الفور مجلس الجامعة ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء وما اتخذ فى صدده من تدابير وإجراءات”.

وهكذا جاء نص المادة صريح وقاطع بأن الاعتداء على أى دولة فى المعاهدة هو اعتداء عليها جميعاً وبالتالى فعلى الجميع أن يبادر إلى معاونة الدولة المعتدى عليها ولا يحق لأى دولة أن تتقاعس عن ذلك وأنه يحق للموقعين على هذه الاتفاقية القيام بذلك فرادى أو جماعات وذلك حتى لا تتخل أى دولة عن التزاماتها بزعم صدور قرار جماعى وقد أتاحت الاتفاقية قيام الدول بجميع التدابير حتى استخدام القوة المسلحة.

وجاءت المادتين الثالثة والرابعة للتأكيد على ذلك حيث نصت المادة الثالثة من الاتفاقية على “تتشاور الدول المتعاقدة فيما بينها، بناءً على طلب إحداها كلما هددت سلامة أراضى أية واحدة منها أو استقلالها أو أمنها. وفى حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها، تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى توحيد خططها ومساعيها فى اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التى يقتضيها الموقف”.

ونصت المادة الثالثة على “رغبة فى تنفيذ الالتزامات السالفة الذكر على أكمل وجه تتعاون الدول المتعاقدة فيما بينها لدعم مقوماتها العسكرية وتعزيزها. وتشترك بحسب مواردها وحاجاتها فى تهيئة وسائلها الدفاعية الخاصة والجماعية لمقاومة أى اعتداء مسلح”.

كما جاءت المادة العاشرة بأنه يحظر على الدول الموقعة على الاتفاقية أن تسلك فى علاقاتها الدولية مع الدول الأخرى مسلكاً يتنافى مع أغراض هذه الاتفاقية وقد شهد الواقع العربى تطبيقات لنصوص هذه الاتفاقية واستفاد منها الشعب المصرى فى حروبه مع العدو الصهيوني ، كما قامت مصر بواجبها فى مراحل عديدة من التاريخ العربى وأخرها قيام مصر واستناداً إلى اتفاقية الدفاع العربى المشترك بالمشاركة مع قوات التحالف الدولى فى تحرير الكويت فى أوائل العقد الماضى.

وفيما يتعلق بعدم التصريح بمرور السفن الصهيونية المتجهة لضرب فلسطين فإن هناك تطبيقات مشابهة لذلك قامت بها مصر فى عقد الخمسينات من القرن الماضى حيث كانت مصر تمنع مرور السفن الحربية أو التجارية الصهيونية ولم يسمح لها بالمرور إلا بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد والتى أتاحت حرية الملاحة للسفن الإسرائيلية شأن باقى الدول.

أيضاً يعتبر السماح للسفن الحربية الصهيونية بالمرور عبر قناة السويس مخالفة للالتزام الدولى بمواجهة جريمة العدوان حيث يختلف قانون الأمس عن قانون اليوم، ذلك لأن القانون الدولى خلال العقود الماضية شهد تطورات بشأن مبدأ تحريم استخدام القوة وانتهى بضرورة مواجهتها فالقوة والقانون لا يجتمعان وقد تزامنت محاولات منع استخدام القوة مع تطور القانون الدولى منذ بدايته، وهو ما يستدعى رصد هذا التطور للوصول إلى الواجب الدولى الواجب اتخاذه فى مواجهة الحرب والعدوان حيث كانت فكرة الحرب فى القانون الدولى التقليدى شأن المحكمة فى العلاقات بين الأفراد، فكما يلجأ الأفراد إلى المحكمة للحصول على ما يرونه حقاً لهم عن طريق إلزام خصومهم بأداء التزامات بعينها كذلك فإن الدولة تلجأ للحرب لحسم الخلافات التى قد تنشأ بينها وبين غيرها من الدول لقهر إرادتها وإملاء ما ترغب من شروط إذا ما حققت النصر وكان ذلك راجعاً إلى افتقاد المجتمع الدولى فى تلك المرحلة إلى السلطة العليا التى تعلو إرادة الدول لافتقاده وجود منظمة تعبر عن المجتمع الدولى الأمر الذى كان يجعل مواجهة فكرة الحرب أو العدوان أمراً عسيراً ولكن بذلت بعض الجهود الدولية لأنسنة الحرب بدلاً من تجريمها أى إخضاعها لبعض الضوابط والقيود التى تستهدف توفيراً لمزيد من الحماية للمدنيين وما إلى ذلك مثل اتفاقية جنيف 1864 واتفاقيات لاهاى لعامى 199 و 1907.

فقد عنيت اتفاقية جنيف بتحسين قواعد الحرب حيث تضمنت بعض المبادئ كوجوب الاعتراف بحياد سيارات الإسعاف والمستشفيات العسكرية وتقديم المساعدة والعناية بكل الجرحى بغض النظر عن جنسياتهم، ولكنها لم تخلوا من وضع قواعد للحرب البحرية.

أما اتفاقية لاهاى 1899 حيث كان يمثل ذلك أول مؤتمر دولى للسلام حضرته 26 دولة وتناولت الاتفاقيات المبرمة الحلب السلمى للمنازعات الدولية وتقنين قوانين وعادات الحرب البرية وتعديل مبادئ الحرب البحرية التى أقرت فى جنيف 1864، كما أوجد المؤتمر محكمة التحكيم الدائمة فى لاهاى حيث عنيت بفض المنازعات الدولية بالطرق السلمية أما مؤتمر لاهاى الثانى فقد انعقد سنة 1907 بحضور ممثلين عن أربع وأربعين دولة، وقد نتج عنه إعلاناً وثلاثة عشر اتفاقية تتضمن تجديد الرغبة فى تجنب الحروب والدعوة إلى نزع السلاح وتثبيت دعائم السلام العالمى والملاحظ فى هذه المرحلة أن الدور الدولى اقتصر فى المعاهدات على وضع قواعد للحرب مع التشجيع على تجنبها واللجوء إلى التحكيم لتسوية المنازعات ولكن دون أن تعنى بفرض الجزاءات على المعتدى ولا بتحريم الحرب بنصوص صريحة وقطعية وكان من الطبيعى أن ينتهى ذلك بالحرب العالمية الأولى.

فى عام 1914 نشبت الحرب العالمية الأولى واستغرقت أكثر من أربع سنوات وقسمت العالم إلى معسكرين حيث بلغ تعداد الشعوب التى أعلنت الحرب ضد بعضها البعض 1.5 بليون نسمة ينتمون إلى 23 دولة قامت بتعبئة 70 مليون مقاتل وبلغت خسائرها البشرية 10 مليون قتيل و20 مليون جريح فيما بلغ حجم الخسائر المادية 208 بليون دولار.

وكانت هذه الخسائر نتيجة طبيعية للفوضى الدولية ولتراخى المجتمع الدولى عن تجريم الحرب لذلك ظهرت العديد من الدعوات الشعبية الرسمية للاتجاه بالعلاقات الدولية نحو المزيد من التنسيق والتنظيم كى لا يتكرر ما حدث فبعد الحرب أنشئت لجنة مشتركة باسم لجنة هيرست – ميلر مكونة من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى وضع مشروع عهد عصبة الأمم والذى تدارسته الدول فى مؤتمر فرساى وحرصت على أن تضمنه فى معاهدات صلح سنة 1919 وقد تمت الصياغة الفعلية لعهد عصبة الأمم فى الاجتماع العام لمؤتمر السلام الذى عقد فى 28/4/1919 وأصبح جزءً لا يتجزأ من معاهدة فرساى ودخل دور التنفيذ بصفة رسمية فى 10/1/1920.

في الجزء الخامس والأخير من المقال نتناول بالتفصيل محاولات عصبة الأمم تجنيب العالم ويلات الحروب والكوارث التى شهدها العالم قبل إنشائها ،مروراً بميثاق الأمم المتحدة وما تلزم به مصر من عدم المشاركة ولو بتسهيل الحروب التي لم يصدر بها قرارات من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة.

يتبع ….

قناة السويس بين السيادة المصرية والتبعية الغربية (3)

تناولنا في المقال السابق إتفاقية القسطنطينية والظروف التي تمت فيها وعدم جدوى إتخاذ السلطة المصرية لها كذريعة لمرور السفن الحربية المعتدية من خلالها لشن حروب على دول أخرى وإضافة إلى ما سبق ينبغي علينا ألا نغفل حق الدفاع الشرعى ،والدفاع الشرعي هو القيام بتصرف غير مشروع دولياً للرد على تصرف غير مشروع وقع ابتداءً ويشهد فى الدفاع الشرعى دفع أو رد الخطر الجسيم من قبل المعتدى والعمل على إيقافه لحماية أمن الدولة وحقوقها الأساسية ويذهب جانب من الفقهاء إلى أن الدفاع الشرعى لا يعد حقاً شخصياً ولكنه عبارة عن مركز أو رخصة أو أنه أحد أسباب انتفاء عدم المشروعية عن تصرف الدولة ولا ينطبق عليه مفهوم الحق لأنه عبارة عن المركز الذى يخول لصاحبه استخدام القوة طبقاً للقانون والدفاع الشرعى فكرة عرفتها كافة الأنظمة القانونية فعرفته كل الشرائع كحق طبيعى وغريزى ونُرد هنا بعض النصوص الحديثة ففى قانون عقوبات الثورة الفرنسية 1791 نص على (فى حالة الدفاع المشروع لا توجد جريمة مطلقاً ولذلك لا يحكم بأى تعويض مدنى) وهو ما جاء بكل الشرائع القانونية والدينية وتأكد كمبدأ أساسى فى القانون الدولى فجاء فى كتاب روح القوانين (إن حياة الدول مثل حياة الناس، فكما أن للناس حق القتل فى حالة الدفاع الطبيعى فإن للدول حق الحروب لحفظ بقائها) وقد جاء النص على حق الدفاع الشرعى فى الاتفاقية الخامسة من اتفاقيات لاهاى لسنة 1907 (لا يمكن أن يعتبر عملاً من أعمال القتال الفعلى الذى تأتيه الدول المحايدة ولو كان متضمناً استعمال القوة لدفع الاعتداء على حيادها). وفى عصبة الأمم جاء النص عليه كذلك وإن جاء بطريقة غير مباشرة حيث تم النص عليه بعد ذلك صراحة فى بروتوكول جنيف لسنة 1924 فى مادته الثانية (أن الدول الموقعة قد اتفقت على أنها سوف لا تلجأ إلى الحرب كوسيلة لفض المنازعات بأى حال إلا فى حالة مقاومة أعمال العدوان). وقد تأكد هذا الحق بعد النص علية صراحة فى الميثاق فى مادة 51 حيث نص على (ليس فى هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعى للدول فرادى أو جماعات فى الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء – الأمم المتحدة – إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولى والتدابير التى اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تُبلغ إلى مجلس الأمن فوراً ولا تؤثر تلك التدابير بأى حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسئولياته من أحكام الميثاق ومن الحق فى أن يتخذ فى أى وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلام والأمن الدولى أو إعادته إلى نصابه). وبموجب هذا النص أصبحت الدول تتمتع بحرية للجوء إلى استخدام القوة المسلحة بعيداً عن السلطة المركزية الدولية التى تحتكر استخدام القوة المسلحة فى هذا المجتمع الدولى – مجلس الأمن – وذلك فى حال الدفاع الشرعى طبقاً للشروط المحددة لمشروعيته وكذلك فقد اعترف الميثاق للدول بإمكانية ممارسة حق الدفاع الشرعى سواءً بشكل فردى أو بأسلوب جماعى، ويكون الدفاع فردى عندما تقدم الدولة المعتدى عليها وحدها باتخاذ التدابير اللازمة لدرء الاعتداء. أما الدفاع الشرعى الجماعى فهو الذى تقوم به مجموعة من الدول توجد بينهما الصلات والمصالح المشتركة ما يبرر العدوان الواقع على إحداها هو عدوان على المجموعة كلها. وقد يتم ممارسة الدفاع الشرعى الجماعى من خلال وجود ترتيبات أو تنظيمات إقليمية قائمة ومثال ذلك معاهدة حلف الأطلنطى الموقعة فى واشنطن فى 4/4/1949 والتى تم تعديلها فى 22/10/1951، وكذلك اتفاقية الدفاع العربى المشترك الموقعة فى القاهرة بتاريخ 13/4/1950 حيث نصت المادة الثانية على (تعتبر الدول المتعاقدة على اعتداء مسلح يقع على أية دولة أو أكثر منها أو على قواتها اعتداءً عليها جميعاً ولذلك فإنها عملاً بحق الدفاع الشرعى – الفردى والجماعى – عن كيانها تلتزم بأن تبادر إلى معاونة الدولة أو الدول المعتدى عليها بأن تتخذ على الفور منفردة ومجتمعة جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما فى ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما). ولا يتبقى بعد ذلك إلا مجرد قيام المدافع بإعلان مجلس الأمن بالتدابير التى اتخذتها للدفاع الشرعى (51 ميثاق)، وإبلاغ مجلس الأمن من القواعد الآمرة فى النظام العام الدولى وبالتالى فإنه لكل ذى مصلحة مباشرة كانت أو غير مباشرة أو لكل عضو فى الجماعة الدولية حق الإبلاغ عن التدابير التى اتخذتها الدولة المدافعة استناداً إلى حق الدفاع الشرعى. هذا وتتمتع قناة السويس بوضع قانونى خاص فهى من ناحية مياه داخلية لأنها بكاملها داخل الأرض المصرية ومن ناحية أخرى تنظم الملاحة فيها طبقاً لأحكام القانون الدولى باعتبارها ممراً دولياً هاماً، أى أن مصر لها السيادة الكاملة على القناة باعتبارها جزء من الإقليم المصرى الوطنى فيما لا يعارض الاتفاقيات الدولية المبرمة بشأن القناة وأهمها اتفاقية القسطنطينية الموقعة فى أكتوبر 1888 (رغم اعتراضنا على تلك الاتفاقية كما أشرنا) ؟ على أن هذه الاتفاقية سالفة الذكر تخول لمصر الحق فى الدفاع عن قناة السويس وتلزمها بالمحافظة عليها باعتبارها ممراً ملاحياً دولياً أمنا وصالح للملاحة، وعلى ذلك فإن أهم ما يترتب على ذلك هو أن مياه قناة السويس تعتبر مياه داخلية ومن ثم فهى تخضع أساساً للسلطان الإقليمى لمصر ولا يحد من ذلك إلا الالتزامات الدولية الملقاة على عاتق مصر بموجب اتفاقية القسطنطينية أو غيرها من الوثائق الدولية النافذة والملزمة لها، كما أنه يحق لمصر دون سواها اتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير للدفاع عن قناة السويس بل إنه واجب عليها طبقاً لنص المادة 9/1 من الاتفاقية سالفة الذكر التى تنص على : ” تتخذ الحكومة المصرية فى حدود سلطاتها المستمدة من الفرمانات، وبالشروط الواردة فى المعاهدة الحالية، التدابير اللازمة التى تحمل على احترام تنفيذ المعاهدة المذكورة”. وورد استثناء على التزامات مصر الدولية تجاه قناة السويس طبقاً لأحكام تلك الاتفاقية فقد نصت المادة العاشرة من اتفاقية القسطنطينية على : “وكذلك لا تكون أحكام المواد 4، 5، 7، 8 عقبة دون التدابير التى يضطر جلالة السلطان وسمو الخديوى باسم جلالته فى حدود الفرمانات الممنوحة لسموه إلى اتخاذها بقواتهما الخاصة لضمان الدفاع عن مصر وحفظ النظام العام وفى حالة ما إذا أخطر جلالة السلطان أو سمو الخديو إلى الاستفادة من الاستثناءات المذكورة فى المادة الحالية فإنه يجب على الحكومة الإمبراطورية العثمانية أن تحيط الدول الموقعة على تصريح لندن على ذلك”. وغنى عن البيان أن هذا الظرف الاستثنائى قد تحقق بالفعل واستخدمت مصر حقها وممارسته طبقاً لأحكام اتفاقية القسطنطينية وذلك فى أعقاب الإعلان عن قيام الكيان الصيونى على فلسطين عام 1948 وقيام الحرب العربية – الصهيونية. وبناءً على ما سبق فإنه يُستفاد من تلك النصوص أنه يحق لمصر أن تتخذ تدابير معينة ومنها منع مرور سفن معينة للدول معينة وذلك لكى تكفل تنفيذ أحكام تلك الاتفاقية أو للدفاع عن مصر أو حفظ النظام العام فإن هذه التدابير تعتبر مشروعة طالما أنها لا تمس حرية استخدام القناة بالنسبة للدول الأخرى أو تمنع العبور فى القناة منعاً باتاً.

 

يتبع ……………

قناة السويس بين السيادة المصرية والتبعية الغربية (2)

توقفنا في الجزء الأول من المقال عند إتفاق اللجنة الدولية في إجتماعها بالقسطنطينية على بنود تضمن حرية المرور عبر قناة السويس عرفت فيما بعد بإتفاقية القسطنطينية ،وعلى مدار ما يزيد عن مائة وخمسة وعشرون عاماً منذ توقيع تلك الإتفاقية ويتخذها المستعمر وسيلة للتحكم فى حركة السفن فى القناة كما يتخذها حكام مصر وسيلة لإعلان الخنوع والإستسلام للقوى الخارجية في حروبها على الدول الشقيقة ،على الرغم من أن الاتفاقية لم تمنع مصر من تقييد الملاحة بالقناة متى كان هناك خطراً يتهددها فقد نصت المادة العاشرة على : “كذلك لا تتعارض أحكام المواد 4، 5، 7، 8 مع التدابير التى قد يرى عظمة السلطان وسمو الخديوى اتخاذها باسم صاحب الجلالة الإمبراطورية ليضمنا بواسطة قواتهما فى حدود الفرمانات الممنوحة الدفاع عن مصر وصيانة أمنها. وإذا رأى صاحب العظمة الإمبراطورية السلطان، وسمو الخديو ضرورة استعمال الحقوق الاستثنائية بهذه المادة، فإنه يجب على حكومة الإمبراطورية العثمانية أن تخطر بذلك الدول الموقعة على تصريح لندن، ومن المتفق عليه أيضاً أن أحكام المواد الأربعة المذكورة لا تتعارض إطلاقاً مع التدابير التى ترى حكومة الإمبراطورية العثمانية ضرورة اتخاذها لكى تضمن بواسطة قواتها الخاصة، الدفاع عن ممتلكاتها الخاصة الواقعة على الجانب الشرقى من البحر الأحمر.” وكذلك المادة الثالثة عشر والتى نصت على : “فيما عدا الالتزامات المنصوص عليها فى هذه المعاهدة، لا تمس حقوق السيادة التى لصاحب العظمة السلطان وحقوق صاحب السمو الخديو وامتيازاته المستمدة من الفرمانات”. فالاتفاقية تنص على إتاحة حرية الملاحة فى كل وقت ولكل السفن الحربية والتجارية دون تمييز ولا تقييد الملاحة إلا فى حالة خطر يهدد مصر أو سلامة القناة أو منشآتها أو ينال من سيادتها على أنه يجب على مصر أن تقوم بالتدابير التى ترأها بشرط ألا يؤدى ذلك لإغلاق القناة وإنما تستمر أيضاً حرية الملاحة بما يفيد أن التقييد يقتصر على السفن مصدر الخطر دون أن ينال غيرها وهو المبدأ الذى استخدمته مصر ضد السفن الإسرائيلية حيث كانت تمنع مرورها ولم تتمكن السفن الإسرائيلية من عبور القناة إلا بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد فما قامت به مصر كان يستند إلى سبب صحيح فى الاتفاقية وانطلاقاً من حقها فى السيادة على إقليمها.

فالسيادة مفهوم قانونى يتمثل واقعاً سياسياً معيناً هو القدرة على الانفراد بإصدار القرار السياسى فى داخل الدولة على وجه النهائية وفى خارجها ومن ثم القدرة الفعلية على الاحتكار الشرعى لأدوات القمع الداخلى وعلى رفض الامتثال لأية سلطة تأتيها من الخارج.

ويستخلص من أقوال الفقهاء عن السيادة بأنها سلطة الدولة التى لا توجد سلطة أخرى تعلوها أو تشاركها فى إدارة شئون إقليمها، فالدولة هى السيد الأعلى الذى لا يعترف بسلطان يعلو عليه ولها أن تتخذ كل ما تراه كفيلاً بتأكيد سيادتها على الإقليم ولا يجوز بحال أن ينزع منها شئ من اختصاصها ولكل دولة ذات سيادة أن تقدر بحرية تامة المراكز الدولية التى تعنيها وتقرر سيادتها بالنسبة لها وذلك لا يتنافى البتة مع احترام الدول لأحكام القانون الدولى ولالتزاماتها الدولية.

وقد وجدت تطبيقات قضائية تقرر حق الدولة صاحبة القناة فى تقييد استخدامها إذا كان هناك خطر يتهدد سلامتها أو أمن وسلامة الدولة صاحبتها، فقد ذهبت المحكمة الدائمة للعدل الدولى فى حكمها الشهير فى القضية المعروفة باسم (قضية ويمبلدون) أن يحق للدولة صاحبة القناة أن تحول دون استعمالها متى جاء ذلك هذا الاستعمال على نحو يهدد أمن تلك الدولة وسلامتها.

ويجدر بنا حينما نتناول معاهدة القسطنطينية أن نرى الواقع الذى نشأت فيه تلك المعاهدة حيث كان الواقع الدولى السائد عند توقيعها بعيداً كل البعد عن ضوابط العدالة بل كان متجاهلاً للضوابط الأخلاقية والإنسانية والثقافية فقد كان يسيطر عليه شهوة احتلال الآخر والعدوان عليه ونهب ثرواته، فلم يكن لعدالة الباعث على الحرب أو مشروعيته أى تأثير على قيام الحروب أو تبريرها، ولم تخضع تلك الحروب لأية قيود أو ضوابط إنسانية بل خضعت لشريعة الغاب إلى الحد الذى جعل الفقيه _ Hougo Grotius – ويعد من أبرز رواد فقه القانون الدولى فيما يعده الكثيرين أول مؤسس قواعد هذا القانون – يذهب إلى القول: ( إننى أرى من العالم المسيحى إفراطاً فى الحرب تخجل منه حتى الأمم المتوحشة لأسباب واهية وحتى بلا سبب، فيندفع الناس إلى السلاح ولا تراعى فى الأسلحة المستخدمة لا القانون الإلهى ولا القانون الإنسانى كما لو لم يوجد سوى قانون واحد هو قانون التسابق لارتكاب أنواع الجرائم ).من هذا الواقع نشأت ووقعت اتفاقية القسطنطينية وحملت بداخلها تناقض حرية الملاحة للسفن المدنية والحربية على السواء دون تمييز فالأولى تعنى بالتقدم والإنماء وزيادة الثروات والثانية تعنى بالخراب والدمار.

وفى الحقيقة فإن واقع المجتمع الدولى اليوم يطرح ضرورة تعديل كل الاتفاقيات التى تسهل الحرب ومنها بلا شك اتفاقية القسطنطينية التى تتيح حرية الملاحة للسفن فلابد من تقييد هذا الحق أو تضييقه وإعطاء حق المرور فى كل القنوات للمرور الذى يستهدف أعمال تحت غطاء الأمم المتحدة أو المرور للوصول إلى نقاط التدريب أو المناورات أو الزيارات على أن يمنع المرور للسفن الحربية المتجهة للعدوان والحرب خارج إطار الأمم المتحدة وإذا كان ذلك متضمن ضمنياً من خلال فقه القانون الدولى ومن خلال القواعد الدولية الجديدة المستمدة من ميثاق الأمم المتحدة والإعلانات الصادرة عنها إلا أنه صار من الواجب النص صراحة على ذلك حتى لا يكون هناك مجال للتأويل أو المناورة.

 

يتبع ….

قناة السويس بين السيادة المصرية والتبعية الغربية (1)

في خضم العدوان الصهيوني على قطاع غزة تمر اليوم مجموعة من السفن الحربية الصهيونية المحملة بالأسلحة عبر قناة السويس ،وبالأمس مرت سفن حربية صينية محملة بالأسلحة عبر القناة لقمع ثورة الشعب السوري ،وأول أمس مرت البوراج الحربية الأمريكية عبر القناة لضرب العراق وما بين هذه الإعتدائات وتلك تظل السيادة المصرية على قناة السويس لغزاً محيراً ،فمن يملك حق السيادة على القناة وهل حقاً تم تأميمها أم أن التأميم كان صورياً ؟؟ وهل يحق لمصر منع هذه الأساطيل الحربية من المرور عبر قناة السويس أم أنه لا يحق للدولة المصرية إتخاذ مثل هذه القرارت كما يدعي أنصار الحزب العسكري الحاكم منذ إنقلاب يوليو 1952 حتى الآن !!!!

وحتى يتسنى لنا الإجابة على الأسئلة التي قمنا بطرحها وجب علينا أن نعود بعقارب الساعة إلى الوراء ،وتحيداً ما قبل الميلاد حيثما لم تكن فكرة ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط بعيدة عن أذهان المصريين فقد كانت مصر بمثابة سوق لتبادل التجارة بين الشرق والغرب وكان من الطبيعى أن يفكر المصريين فى شق هذا الطريق الملاحى ونتيجة للخوف من إغراق مياه البحر للأراضى المصرية حيث كان هناك زعم بأن مستوى سطح البحر الأحمر أعلى إرتفاعاً من سطح البحر الأبيض المتوسط فكان التفكير فى الربط بين البحرين عن طريق غير مباشر وهو ما حدث فى عام 1887 قبل الميلاد حيث تم توصيل البحرين عن طريق نهر النيل وذلك فى عهد سنوسرت الثالث وهو من الأسرة الثانية عشرة حيث كانت السفن القادمة من البحر المتوسط (بحر الشمال) تسير فى الفرع البيلوزى (والبيلوزى نسبة إلى مدينة بلوزيوم الأثرية التى كانت تقع على مقربة من بورسعيد) من النيل وهو أول فرع شرقاً من فروعه السبعة حتى بوبست (الزقازيق) ثم تتجه شرقاً إلى بلدة تيخاو (أبو صير) وكانت تقع على البحيرات المرة التى كانت وقتذاك فى نهاية خليج قناة السويس، ومن بلدة تيخاو إلى البحر الأحمر والذى كان يسمى ببحر كاموريت وقد افتتحت هذه القناة فى 1874 قبل الميلاد وسجل افتتاحها فى لوحة منحوتة على واجهة معبد الكرنك بالأقصر.

وما زالت آثار هذه القناة واضحة تماماً حتى يومنا هذا فى محاذاة المجرى الملاحى الحالى لقناة السويس بالقرب من بلدة جنينة (والتى تقع على مسافة 28 كيلو متر من مدينة بور توفيق) ويمكن تتبع مسارها حتى الكيلو 138 حيث حفرت قناة المياه الغرب فى مجرى القناة القديمة نفسه، وفى عام 1310 قبل الميلاد سُميت بقناة سيتى الأول، وفى عام 609 قبل الميلاد سُميت بقناة نخاو حيث كانت القناة قد إمتلأت بالرمال إلى حد أن الرمال عزلت خليج السويس عن البحيرة المرة بطول 30كم تقريباً فبذل الفرعون نخاور ويعرف كذلك باسم (نيقوس أو نيخوس) غاية مجهوده لإعادة شق القناة إلى الحد الذى اختلط على المؤرخين الذين ذهبوا إلى وصفه بأنه أول من شق القناة ومن هؤلاء هيردوت، ثم سميت قناة دارا الأول أو قناة الفرس وذلك فى عام 510 قبل الميلاد إثر احتلال الفرس لمصر، وفى عام 332 قبل الميلاد اهتم الإسكندر الأكبر بإعادة حفر القناة لعبور سفنه الحربية من ميناءى الإسكندرية وأبى قير إلى البحر الأحمر عن طريق الدلتا والبحيرات المرة، كما اهتم بمشروع حفر قناة الشمال التى تصل بحيرة سيربونيس (بحيرة البردويل حالياً) ببحيرة التمساح، ومنها إلى البحيرات المرة وبدأ العمل فى تنفيذ المشروعين غير أن المنية عاجلته قبل إتمامهما.

وفى عام 285 قبل الميلاد سميت بقناة بطليموس الثانى أو قناة الإغريق، وفى عام 45 قبل الميلاد عاد الإهمال إلى القناة فى أواخر عهد البطالمة مما أدى إلى عدم صلاحيتها للملاحة على الإطلاق.

وفى عام 98 ميلادية سميت بقناة الرومان حيث رأى الرومان إعادة استخدامها للملاحة لضرورات التجارة فحفر الإمبراطور تراجان الرومانى (98 – 117 ميلادية) فرعاً جديداً عرف بقناة تراجان يبدأ من بابليون (القاهرة) عند فم الخليج وينتهى فى العباسية حيث يتصل بالفرع القديم الذى يصل بوبست (الزقازيق) بالبحيرة المرة، وفى عام 400 ميلادية فى عهد البيزنطيين دب الإهمال فى القناة من جديد وتراكمت فيها الرمال حتى أصبحت غير صالحة للملاحة، وفى عام 642 ميلادية سُميت بقناة أمير المؤمنين حيث أعاد عمرو بن العاص قناة الرومان إلى الملاحة من الفسطاط (القاهرة) إلى القلزم (السويس) وقد خطر له أن يشق قناة مباشرة بين البحرين إلا أن الأمير عمر بن الخطاب أثناه عن ذلك اعتقاداً منه بأن شق البرزخ يعرض مصر كلها لطغيان مياه البحر الأحمر، وظلت القناة مفتوحة للملاحة على مدى أكثر من مائة وعشرون عاماً حيث تم ردمها فى عام 767 ميلادية بناءً على أمر من الخليفة العباسى أبى جعفر المنصور، وفى عام 1820 ميلادية أمر محمد على باشا بإصلاح القناة لرى المنطقة الواقعة بين العباسية والقصاصين ،وقد تقاربت الآراء حول القناة إلا أنه يستخلص منها جميعاً أنها كانت قناة مياه عزبة تغذى من النيل وصالحة للملاحة عند ارتفاع منسوب المياه فيه، ويبلغ طولها 150 كيلو متر وعرضها أكثر من 25 متراً وعمقها من 3 إلى 4 أمتار، وكانت هذه الأبعاد مناسبة تماماً لحجم السفن وقتذاك.

وفي الثلاثين من نوفمبر 1854 صدر فرماناً من الباب العالى بمنح فرديناند ديليسبس إمتيازاً بحق إنشاء شركة لشق قناة السويس وكان الفرمان يقضى بأن يشرف ديليسبس على الشركة ولكن مدير هذه الشركة يتم اختياره بمعرفة الحكومة المصرية، وأن مدة الامتياز تسع وتسعون عاما تبدأ من تاريخ فتح القناة، وقد عدلت بعض أحكام هذا الفرمان بفرمان آخر صدر فى الخامس من يناير سنة 1856، وقد بدأ العمل فى حفر القناة فى 25 إبريل سنة 1859 رغم اعتراضات كل من إنجلترا والباب العالى، وسرعان ما وقعت بعض الخلافات بين الشركة الجديدة والباب العالى، فتم تسويت هذه الخلافات بإبرام اتفاقية جديدة فى 22 فبراير سنة 1866 تحدد الشروط النهائية لوضع شركة قناة السويس وأهم ما اشتملت عليه نصوص تلك الاتفاقية:ـ
1- نصت المادة التاسعة على: أن تبقى القناة البحرية وملحقاتها خاضعة لنظام البوليس المصرى، ويباشر عليها سلطة مطلقة، مثلما يباشرها فى أى مكان من الأراضى المصرية، بحيث يحافظ على النظام والأمن العام، ويكفل تنفيذ قوانين البلاد ولوائحها .
2- نصت المادة العاشرة على: أن الحكومة المصرية تشغل داخل حدود الأراضى المحتفظ لها بها كملحقات للقناة البحرية، أى
موقع أو نقطة حربية تراها لازمة للدفاع عن البلاد على ألا يعرقل هذا أشغال الملاحة .
3- نصت المادة السادسة عشر على: بما أن الشركة العامة لقناة السويس البحرية شركة مصرية، فإنها تخضع لقوانين البلاد
وعرفها، على أنها فيما يتصل بتكوينها كشركة وعلاقات الشركات فيما بينهم تنظمها وفقا لاتفاق خاص القوانين التى تخضع لها
الشركات المساهمة فى فرنسا، ومن المتفق عليه أن جميع المنازعات التى تنشأ عن ذلك يفصل فيها محكمون بفرنسا، ويجوز استئناف
حكمهم أما المحكمة الإمبراطورية فى باريس، بوصفها محكما ثالثا ـ أما المنازعات التى تنشأ فى مصر بين الشركة والأفراد من أى
جنسية كانوا فتنظرها المحاكم المحلية تبعا للأوضاع المقررة فى قوانين البلاد وعرفها والمعاهدات، كذلك تعرض المنازعات التى
تنشأ بين الحكومة المصرية والشركة على المحاكم المحلية، فتفصل فيها طبقا لقوانين البلاد .
هذا وقد تم افتتاح قناة السويس فى 17 يناير عام 1869، ومرت فيها جميع سفن العالم، دون أى عقبة ودون أى حاجة إلى اتفاقية دولية
لضمان حق المرور بقناة السويس ،إلا أنه بعد وقوع الحرب العثمانية الروسية عام 1877، وإحتلال الإنجليز لمصر عام 1882، فى
أعقاب الثورة العرابية، أوقف المرور فى قناة السويس لمدة مؤقتة، فرأت الدول الكبرى أن حرية المرور فى القناة فى حاجة إلى
اتفاق دولى، حتى لا تستغل بريطانيا وجودها العسكرى على ضفتى القناة، لتمنع مرور ما تريد منعه من السفن، واجتمعت فى باريس
لجنة دولية عام 1885، لوضع وثيقة دولية لضمان حرية الملاحة فى قناة السويس فى كافة الأوقات ولكل الدول  دون أى تمييز غير
أن الدول المجتمعة فى باريس لم تستطع أن تتفق على أحكام هذه الاتفاقية.

وبعد مرور ثلاث سنوات وتحديداً فى أكتوبر من عام 1888، أعادت اللجنة الدولية إجتماعها في القسطنطينية واستطاعت الدول المجتمعة أن تتفق هذه المرة ووقعت على اتفاقية خاصة بضمان حرية المرور فى القناة وكانت الدول التى وقعت على تلك الاتفاقية هي بريطانيا العظمى وفرنسا والنمسا والمجر وأسبانيا وإيطاليا وهولندا وروسيا وتركيا وقد وقعت تركيا الاتفاقية نيابة عن مصر، إذ كانت مصر حينئذ تابعة للدولة العثمانية وقد حلت محلها فى الحقوق والالتزامات المقررة لها فى تلك الاتفاقية، وذلك طبقا لقواعد الميراث الدولي المنصوص عليها فى القانون الدولى المعاصر.

 

نتناول فى المقال القادم أهم ما نصت عليه إتفاقية القسطنطينية وعدم مشروعية إستناد الحكومات المصرية المتتالية عليها فى التبرير لمواقفها من عدم إتخاذ قرارات بمنع الأساطيل الحربية التي تمر من خلال قناة السويس للعدوان على الدول العربية التي نرتبط معها بإتفاقية دفاع مشترك

 


 

المراجع

– (قناة السويس من القدم إلى اليوم – جورج حليم كيرلس – دار المعارف – الطبعة الثالثة – 1988)

 – (قناة السويس والاستراتيجية الدولية – قناة السويس بين الشرعية الدولية والأطماع الاستعمارية – بطرس بطرس غالي – 1975)