أرشيفات الوسوم: السيادة المصرية

شخابيط قلم ثائر

إلى كل من أشبع آذننا قولاً بأن مصر ليست كغيرها من البلدان وحاول وأد ثورتنا في مهدها تحت دعوى أنه لن تقوم ثورة هنا ،وأن الثورة ليست الوسيلة المثلى للتغيير … إلى كل من حاول كسر إرادتنا بتكرار قولة أن المظاهرات والإعتصامات لن تستطيع إجبار مبارك على التخلي عن حكم البلاد رغماً عن أنفه … إلى كل من بغبغ ليل نهار عبر آلة الإعلام المخابراتية قائلاً إن هذا الشعب لن يصلح معه سوى رئيس عسكري وأن وصول مدني لكرسي الحكم في البلاد هو درب من دروب الخيال … إلى كل من دافع عن العسكر تحت دعاوى حمايتهم للثورة وعدم سعيهم للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد بل وأتهمنا بالعمالة تارة وبالبلطجة تارة أخرى لهتافاتنا في الميادين “يسقط يسقط حكم العسكر” … إلى كل من إعتبر نصحنا له كراهية وحرصنا على عدم ضياع مكتسبات الثورة إندفاع شباب وعدم خبرة وحينما حاولنا مخلصين مساعدته في تصحيح مساره المعوج كان رده الوحيد أن موتوا بغيظكم وكانت أنشودته المفضلة “7 سنين ومكملين” لم يُكتب له منها ولو فيمتو ثانية واحدة .

إلى جميع من سبق ذكرهم: نُسمعكم ولو صُمت آذانكم ،لم تمت الثورة بعد ولن تموت ،ولم ولن يستطيع كائناً من كان أن يطوعها لخدمة رغباته وتطلعاته ،قد نكون قد خسرنا جولة من الجولات إلا أن معركتنا على العيش والحرية والكرامة والتحرر من التبعية لم تنتهي بعد فلن تركع الثورة للبيادة العسكرية ولن تسجد لمن تاجر بالدين ولن تبيع نفسها في سوق النخاسة لمن يدفع أكثر من أرباب الفساد … إن ثورة الخامس والعشرين من يناير هي أفضل وأطهر وأنقى حدث مر على الدولة المصرية عبر تاريخها الطويل ، أفضل من السبعة آلاف سنة حجارة التي يتشدق بها المفلسون حضارياً .. أفضل من سد عالي عبد الناصر ،ومن إنفتاح السادات ،ومن كباري مبارك ،ومن خرم السيسي.

الثورة نور لن يطفأه فاسد ،فلتنتظروا موجة ثورية جديدة لن تبقي ولن تذر ،موجة ثورية لن تتراقص على نغمات نانسي عجرم “فتطبطب وتدلع” ،موجة ثورية ستستدعي روح الراحل العظيم روبسبير وتجتث رقاب الفسدة دون رحمة أو شفقة ،فقد تبين للثورة الصديق من العدو ،تبين لها من يستحق أن تمد إليه يداها وتدعمه ومن لا يستحق سوى أن تسحقه تحت قدميها .

إن الثورة وعد من الله لعباده المقهورين في الأرض على أيدي شياطين الإنس … إن الثورة دَينٌ في رقاب الأحرار حتى قيام الساعة لمن قدموا أرواحهم فداء للحرية والكرامة … إن الثورة حلم يداعب قلوب وعقول الأحرار ،كابوساً يؤرق مضاجع الطغاة … إن الثورة تقرباً من الإله … فكن ثائراً

كن ثائراً … فإن الأنبياء جميعهم ثوار 

كن ثائراً … مستمسكاً بعروة الأحرار

فالمجد كل المجد لشهيد ثورة أضحى مع الأبرار  

والعار كل العار لعدوها تعسُ لا يملك من أمره قرار

شخابيط قلم ثائر

قناة السويس بين السيادة المصرية والتبعية الغربية (1)

في خضم العدوان الصهيوني على قطاع غزة تمر اليوم مجموعة من السفن الحربية الصهيونية المحملة بالأسلحة عبر قناة السويس ،وبالأمس مرت سفن حربية صينية محملة بالأسلحة عبر القناة لقمع ثورة الشعب السوري ،وأول أمس مرت البوراج الحربية الأمريكية عبر القناة لضرب العراق وما بين هذه الإعتدائات وتلك تظل السيادة المصرية على قناة السويس لغزاً محيراً ،فمن يملك حق السيادة على القناة وهل حقاً تم تأميمها أم أن التأميم كان صورياً ؟؟ وهل يحق لمصر منع هذه الأساطيل الحربية من المرور عبر قناة السويس أم أنه لا يحق للدولة المصرية إتخاذ مثل هذه القرارت كما يدعي أنصار الحزب العسكري الحاكم منذ إنقلاب يوليو 1952 حتى الآن !!!!

وحتى يتسنى لنا الإجابة على الأسئلة التي قمنا بطرحها وجب علينا أن نعود بعقارب الساعة إلى الوراء ،وتحيداً ما قبل الميلاد حيثما لم تكن فكرة ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط بعيدة عن أذهان المصريين فقد كانت مصر بمثابة سوق لتبادل التجارة بين الشرق والغرب وكان من الطبيعى أن يفكر المصريين فى شق هذا الطريق الملاحى ونتيجة للخوف من إغراق مياه البحر للأراضى المصرية حيث كان هناك زعم بأن مستوى سطح البحر الأحمر أعلى إرتفاعاً من سطح البحر الأبيض المتوسط فكان التفكير فى الربط بين البحرين عن طريق غير مباشر وهو ما حدث فى عام 1887 قبل الميلاد حيث تم توصيل البحرين عن طريق نهر النيل وذلك فى عهد سنوسرت الثالث وهو من الأسرة الثانية عشرة حيث كانت السفن القادمة من البحر المتوسط (بحر الشمال) تسير فى الفرع البيلوزى (والبيلوزى نسبة إلى مدينة بلوزيوم الأثرية التى كانت تقع على مقربة من بورسعيد) من النيل وهو أول فرع شرقاً من فروعه السبعة حتى بوبست (الزقازيق) ثم تتجه شرقاً إلى بلدة تيخاو (أبو صير) وكانت تقع على البحيرات المرة التى كانت وقتذاك فى نهاية خليج قناة السويس، ومن بلدة تيخاو إلى البحر الأحمر والذى كان يسمى ببحر كاموريت وقد افتتحت هذه القناة فى 1874 قبل الميلاد وسجل افتتاحها فى لوحة منحوتة على واجهة معبد الكرنك بالأقصر.

وما زالت آثار هذه القناة واضحة تماماً حتى يومنا هذا فى محاذاة المجرى الملاحى الحالى لقناة السويس بالقرب من بلدة جنينة (والتى تقع على مسافة 28 كيلو متر من مدينة بور توفيق) ويمكن تتبع مسارها حتى الكيلو 138 حيث حفرت قناة المياه الغرب فى مجرى القناة القديمة نفسه، وفى عام 1310 قبل الميلاد سُميت بقناة سيتى الأول، وفى عام 609 قبل الميلاد سُميت بقناة نخاو حيث كانت القناة قد إمتلأت بالرمال إلى حد أن الرمال عزلت خليج السويس عن البحيرة المرة بطول 30كم تقريباً فبذل الفرعون نخاور ويعرف كذلك باسم (نيقوس أو نيخوس) غاية مجهوده لإعادة شق القناة إلى الحد الذى اختلط على المؤرخين الذين ذهبوا إلى وصفه بأنه أول من شق القناة ومن هؤلاء هيردوت، ثم سميت قناة دارا الأول أو قناة الفرس وذلك فى عام 510 قبل الميلاد إثر احتلال الفرس لمصر، وفى عام 332 قبل الميلاد اهتم الإسكندر الأكبر بإعادة حفر القناة لعبور سفنه الحربية من ميناءى الإسكندرية وأبى قير إلى البحر الأحمر عن طريق الدلتا والبحيرات المرة، كما اهتم بمشروع حفر قناة الشمال التى تصل بحيرة سيربونيس (بحيرة البردويل حالياً) ببحيرة التمساح، ومنها إلى البحيرات المرة وبدأ العمل فى تنفيذ المشروعين غير أن المنية عاجلته قبل إتمامهما.

وفى عام 285 قبل الميلاد سميت بقناة بطليموس الثانى أو قناة الإغريق، وفى عام 45 قبل الميلاد عاد الإهمال إلى القناة فى أواخر عهد البطالمة مما أدى إلى عدم صلاحيتها للملاحة على الإطلاق.

وفى عام 98 ميلادية سميت بقناة الرومان حيث رأى الرومان إعادة استخدامها للملاحة لضرورات التجارة فحفر الإمبراطور تراجان الرومانى (98 – 117 ميلادية) فرعاً جديداً عرف بقناة تراجان يبدأ من بابليون (القاهرة) عند فم الخليج وينتهى فى العباسية حيث يتصل بالفرع القديم الذى يصل بوبست (الزقازيق) بالبحيرة المرة، وفى عام 400 ميلادية فى عهد البيزنطيين دب الإهمال فى القناة من جديد وتراكمت فيها الرمال حتى أصبحت غير صالحة للملاحة، وفى عام 642 ميلادية سُميت بقناة أمير المؤمنين حيث أعاد عمرو بن العاص قناة الرومان إلى الملاحة من الفسطاط (القاهرة) إلى القلزم (السويس) وقد خطر له أن يشق قناة مباشرة بين البحرين إلا أن الأمير عمر بن الخطاب أثناه عن ذلك اعتقاداً منه بأن شق البرزخ يعرض مصر كلها لطغيان مياه البحر الأحمر، وظلت القناة مفتوحة للملاحة على مدى أكثر من مائة وعشرون عاماً حيث تم ردمها فى عام 767 ميلادية بناءً على أمر من الخليفة العباسى أبى جعفر المنصور، وفى عام 1820 ميلادية أمر محمد على باشا بإصلاح القناة لرى المنطقة الواقعة بين العباسية والقصاصين ،وقد تقاربت الآراء حول القناة إلا أنه يستخلص منها جميعاً أنها كانت قناة مياه عزبة تغذى من النيل وصالحة للملاحة عند ارتفاع منسوب المياه فيه، ويبلغ طولها 150 كيلو متر وعرضها أكثر من 25 متراً وعمقها من 3 إلى 4 أمتار، وكانت هذه الأبعاد مناسبة تماماً لحجم السفن وقتذاك.

وفي الثلاثين من نوفمبر 1854 صدر فرماناً من الباب العالى بمنح فرديناند ديليسبس إمتيازاً بحق إنشاء شركة لشق قناة السويس وكان الفرمان يقضى بأن يشرف ديليسبس على الشركة ولكن مدير هذه الشركة يتم اختياره بمعرفة الحكومة المصرية، وأن مدة الامتياز تسع وتسعون عاما تبدأ من تاريخ فتح القناة، وقد عدلت بعض أحكام هذا الفرمان بفرمان آخر صدر فى الخامس من يناير سنة 1856، وقد بدأ العمل فى حفر القناة فى 25 إبريل سنة 1859 رغم اعتراضات كل من إنجلترا والباب العالى، وسرعان ما وقعت بعض الخلافات بين الشركة الجديدة والباب العالى، فتم تسويت هذه الخلافات بإبرام اتفاقية جديدة فى 22 فبراير سنة 1866 تحدد الشروط النهائية لوضع شركة قناة السويس وأهم ما اشتملت عليه نصوص تلك الاتفاقية:ـ
1- نصت المادة التاسعة على: أن تبقى القناة البحرية وملحقاتها خاضعة لنظام البوليس المصرى، ويباشر عليها سلطة مطلقة، مثلما يباشرها فى أى مكان من الأراضى المصرية، بحيث يحافظ على النظام والأمن العام، ويكفل تنفيذ قوانين البلاد ولوائحها .
2- نصت المادة العاشرة على: أن الحكومة المصرية تشغل داخل حدود الأراضى المحتفظ لها بها كملحقات للقناة البحرية، أى
موقع أو نقطة حربية تراها لازمة للدفاع عن البلاد على ألا يعرقل هذا أشغال الملاحة .
3- نصت المادة السادسة عشر على: بما أن الشركة العامة لقناة السويس البحرية شركة مصرية، فإنها تخضع لقوانين البلاد
وعرفها، على أنها فيما يتصل بتكوينها كشركة وعلاقات الشركات فيما بينهم تنظمها وفقا لاتفاق خاص القوانين التى تخضع لها
الشركات المساهمة فى فرنسا، ومن المتفق عليه أن جميع المنازعات التى تنشأ عن ذلك يفصل فيها محكمون بفرنسا، ويجوز استئناف
حكمهم أما المحكمة الإمبراطورية فى باريس، بوصفها محكما ثالثا ـ أما المنازعات التى تنشأ فى مصر بين الشركة والأفراد من أى
جنسية كانوا فتنظرها المحاكم المحلية تبعا للأوضاع المقررة فى قوانين البلاد وعرفها والمعاهدات، كذلك تعرض المنازعات التى
تنشأ بين الحكومة المصرية والشركة على المحاكم المحلية، فتفصل فيها طبقا لقوانين البلاد .
هذا وقد تم افتتاح قناة السويس فى 17 يناير عام 1869، ومرت فيها جميع سفن العالم، دون أى عقبة ودون أى حاجة إلى اتفاقية دولية
لضمان حق المرور بقناة السويس ،إلا أنه بعد وقوع الحرب العثمانية الروسية عام 1877، وإحتلال الإنجليز لمصر عام 1882، فى
أعقاب الثورة العرابية، أوقف المرور فى قناة السويس لمدة مؤقتة، فرأت الدول الكبرى أن حرية المرور فى القناة فى حاجة إلى
اتفاق دولى، حتى لا تستغل بريطانيا وجودها العسكرى على ضفتى القناة، لتمنع مرور ما تريد منعه من السفن، واجتمعت فى باريس
لجنة دولية عام 1885، لوضع وثيقة دولية لضمان حرية الملاحة فى قناة السويس فى كافة الأوقات ولكل الدول  دون أى تمييز غير
أن الدول المجتمعة فى باريس لم تستطع أن تتفق على أحكام هذه الاتفاقية.

وبعد مرور ثلاث سنوات وتحديداً فى أكتوبر من عام 1888، أعادت اللجنة الدولية إجتماعها في القسطنطينية واستطاعت الدول المجتمعة أن تتفق هذه المرة ووقعت على اتفاقية خاصة بضمان حرية المرور فى القناة وكانت الدول التى وقعت على تلك الاتفاقية هي بريطانيا العظمى وفرنسا والنمسا والمجر وأسبانيا وإيطاليا وهولندا وروسيا وتركيا وقد وقعت تركيا الاتفاقية نيابة عن مصر، إذ كانت مصر حينئذ تابعة للدولة العثمانية وقد حلت محلها فى الحقوق والالتزامات المقررة لها فى تلك الاتفاقية، وذلك طبقا لقواعد الميراث الدولي المنصوص عليها فى القانون الدولى المعاصر.

 

نتناول فى المقال القادم أهم ما نصت عليه إتفاقية القسطنطينية وعدم مشروعية إستناد الحكومات المصرية المتتالية عليها فى التبرير لمواقفها من عدم إتخاذ قرارات بمنع الأساطيل الحربية التي تمر من خلال قناة السويس للعدوان على الدول العربية التي نرتبط معها بإتفاقية دفاع مشترك

 


 

المراجع

– (قناة السويس من القدم إلى اليوم – جورج حليم كيرلس – دار المعارف – الطبعة الثالثة – 1988)

 – (قناة السويس والاستراتيجية الدولية – قناة السويس بين الشرعية الدولية والأطماع الاستعمارية – بطرس بطرس غالي – 1975)