قصة ثلاثة وستون عاماً حكم فيها الجيش مصر

إبان إنقلاب يوليو 1952 كانت محاولات قادة الإنقلاب الحثيثة لتثبيت أركان حكمهم الوليد ،وعلى مدار العشر سنوات التالية لإنقلابهم إستخداموا العديد من الوسائل ففتحت المعتقلات للآلاف وقتل آلاف آخرون كما قاموا بصياغة مسرحيات عدة كمحاولة إغتيال عبد الناصر في المنشية والتي كان الهدف من ورائها هو تحويل قائد الإنقلاب آنذاك من مجرد العسكري محدود الفكر الغير صالح لممارسة السياسة إلى أيقونة ورمز يشار إليه بالبنان ،أو مسرحية حريق القاهرة والتي كان الهدف منها الخلاص من جماعة الإخوان المسلمين وهم من كانوا شركاء العسكر في إنقلابهم.

كان قادة إنقلاب يوليو 1952 دائموا البحث عن السبل التي تكفل لهم تثبيت أركان الإنقلاب يوماً بعد الآخر حتى وجدوا ضالتهم فى الحاجة إلى خلق إختراع عبقري يخطف عقول أفراد الشعب ويسكنهم ويخضعهم للسلطة العسكرية أكثر وأكثر ،كانت جميع الطرق تؤدي إلى أن يكون الإختراع عسكرياً خالصاً ،فهناك عدو واحد للجميع آنذاك وهو “إسرائيل” ،وكان أكبر آمال الشعوب العربية وقتها هو وجود سلاح رادع للدولة الإسرائيلية فكان الإختراع العسكري المصري العجيب ،صاروخي القاهر والظافر .

أقيمت الأفراح والإحتفالات إبتهاجاً بقدرة مصر على القضاء على إسرائيل آنذاك وتم خداع الشعب بالفعل إلا أن نكسة 67 جاءت أسرع مما يتخيل الكثيرون وكانت ردود أفعال المواطنون فى الشوارع ضرب الكف بالكف وكانت تساؤلاتهم ،كيف خسرنا الحرب ونحن نمتلك القاهر والظافر !!! وظل هذا السؤال بلا إجابة لفترة ليست بالقصيرة من الزمن ولم يعرف أي شخص على وجه الأرض حينها حقيقة القاهر والظافر اللهم إلا ثلاثة أشخاص فقط ،جمال عبد الناصر وتابعه محمد حسنين هيكل وشخص ثالث هو “الخراط” الذي قام بخراطتهما هذا ولم تتوقف إبتكارات السلطة العسكرية عند هذا الحد فإمتدت للإعلان عن غواصة تطير لم يتسنى لاحد التعرف عليها حتى الآن مروراً بإستعداد مصر لغزو الفضاء آنذاك وصولاً للمؤتمرات الإقتصادية ومشروع توشكى الذي بات في عداد الوفيات برغم الملايين التي أنفقت عليه.

والآن وبعد مرور ثلاثة وستون عاماً على إنقلاب يوليو 1952 تعيد السلطة العسكرية “الجديدة القديمة” نفس السيناريو “الخامسيناتي” لتثبيت أركان إنقلابهم الوليد  دون مراعاة للفروق الجوهرية بين البيئتين المحيطتين بكلا الإنقلابين.

فكانت البداية تكليف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بالتعاون مع مصانع الإنتاج الحربي للقوات المسلحة ،بإنجاز المشروع العملاق الذي يمثل إنجاز علمي هائل لم تستطع معامل البحوث العالمية من مجرد التفكير فيه وهو علاج الإيدز وفايروس سي “بالكفتة” ،وسريعاً تم إنجاز المشروع والإحتفاء به فى مؤتمر صحفي عالمي حضره قادة الجيش ،وعلى الرغم من فضيحة فشل الإختراع إلا أن السلطة العسكرية قد قامت بمباغتتة الشعب بالعديد من المبادرات والوعود الوهمية فمن مشروع المليون سكن للشباب إلى القضاء على البطالة بسيارات بيع الخضروات مروراً بالمؤتمر الإقتصادي وأخيراً وليس آخراً مشروع العاصمة الجديدة.

لتبقى الحقيقة الواضحة وضوح الشمس أنهم يراهنون على الشعب المصري الذي يدعي الإعلام المصري أنه يصنف طفلاً كأذكى أطفال الأرض ، شاباً الأكثر فحولة ، عجوزاً كأفضل كادر سياسي على مستوى الكوكب ،أما وهو متوفى فهو الميت الوحيد في الدنيا الذي يتمتع بحقه السياسي في الإنتخاب .

وعلى الرغم من هذا كله فقد آمنت قطاعات من الشعب بأن مصر أصبحت “قد الدنيا” بهذه الإختراعات الفاشلة. وبعد أن إستفاق الشعب من أكذوبة “القاهر والظافر” على نكسة 1967 ،عاد يكررها مع جهاز “الكفتة” والذي إستيقظ منه على فضيحة أخلاقية إهتزت لها أركان الدولة المصرية ،غير أن الواقع المرير بات يؤكد أن ما هو قادم سيحمل المزيد من النكسات ليظل اليقين الذي لا يحمل الشك أن ما بين “القاهر والظافر” وجهاز “الكفتة” قصة ثلاثة وستون عاماً حكم فيها الجيش مصر

 

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *