التجنيد الإجباري بين الوطنية و”الوطنية”

حينما تولي محمد علي باشا حكم مصر في عام 1805 عمل علي تطوير “الجيش” والذي كان يطلق عليه “ديوان الجند” حيث تم اضافة السجلات والرتب العسكرية وقام بسن “التجنيد الإجباري” للمدنيين ،مرت السنوات وجاء عام 1879 حيث تم إنشاء أول نظارة “مجلس وزراء” في تاريخ مصر ضمت نظارة خاصة بالجيش سميت بــ “نظارة الجهادية” ،إستمر العمل بهذا الإسم حتى عام 1915 حيث تم تغيير مسمى النظارة إلى الوزارة وتحول إسمها إلى “وزارة الحربية” ،حتى جاء التوقيع على إتفاقية كامب ديفيد والتي تغير على إثرها مسمى الوزارة من “الحربية” إلى “الدفاع” في عام 1978.

لم تكن حالة “التدني” المتتالية مقتصرة على مسمى الوزارة فحسب من جهادية فحربية وصولاً إلى الدفاع بل إنتقلت العدوى إلى الجيش ككيان وعقيدة قتالية وقيادة فتبدلت الأوضاع وصار العدو صديقاً والصديق عدواً وتحولت القوات المسلحة “بحرف الشين” من قوات لحفظ أمن البلاد من أي عدوان خارجي إلى حزب سياسي مسلح يسيطر على مقاليد الحكم في البلاد بقوة المال والسلاح سابحاً في فلك النظام العالمي.

ومع كل هذا زاد إقبال الجيش على تجنيد المدنيين إجبارياً للإستفادة منهم في مجالات عدة ليس من بينها بالطبع الحفاظ على أمن البلاد فالمجند إجبارياً حينما يتم وضعه على الحدود لا يتم تدريبه عسكرياً لمواجهة أي عمليات عدائية أو تهريبية بل إنه بالكاد يتسلم سلاحاً بلا ذخيرة ،فيما لا يتم الإستفادة من المجند إجبارياً من خريج الكليات التقنية في تصنيع السلاح أو تطويره إذ أن الجيش المصري لا يصنع سلاحه ويعتمد إعتماداً كلياً على فتات ما يلقيه النظام العالمي إليه “بدل تبعية” وبالكاد يتم الإعتماد عليه في تطوير صناعة المكرونة والصلصة ” فخر صناعات الإنتاج الحربي” ،أما من هم دون الكليات التقنية فالساحة كبيرة وتتسع للملايين من الشباب تحت دعوى أن التجنيد الإجباري وطنية فالــ “وطنية” هنا هي إسم محطات البنزين المملوكة للقوات المسلحة والتي يعمل بها المجند إجبارياً بمقابل مادي زهيد لا يكاد يذكر ،وهي إسم مزارع الدواجن المملوكة للقوات المسلحة والتي يعمل بها المجند إجبارياً مقابل بعض عبوات السجائر الغير صالحة للإستخدام الآدمي ،وهي إسم المزارع الضخمة التي تقيمها القوات المسلحة بطول البلاد وعرضها على أراضٍ زراعية سيطر الجيش عليها دون سداد أي مقابل لخزينة الدولة ويتم الدفع بالمجند إجبارياً للعمل فيها بالسخرة دون مراعاة لأدني معاني الآدمية وبلا أجر عادل في حين يجني القادة من وراء تلك الأيدي العاملة المجانية عمولات تقدر بمليارات الدولارات .

“الوطنية” هنا ببساطة شديدة هي تسخير المجند إجبارياً لخدمة الجنرالات أو أنصاف الجنرالات وذويهم ،فجنرالات القوات المسلحة فوق أي دستور أو قانون وضعي كان أو سماوي فالأوامر العسكرية واجبة النفاذ بدون نقاش أو مداولات من المجندين إجبارياً ولأصغر رتبة عاملة في الجيش الحق في إغتصاب بنات أفكار المجند إجبارياً إذا ما دعته لمناقشة أمر خاطىء صادر عن أي من قادته ،ملخص القول أن الأوضاع قد تغيرت إلى الاسوأ وتحول التجنيد الإجباري من خدمة مصالح البلاد العليا إلى خدمة مصالح كبار القادة السفلى وتحول ولع الشباب ولهفته بالإنضمام للجيش كمجند إجبارياً منذ ما يزيد على الستين عاماً إلى نقمة يدفع من أجلها الشاب ألوف الجنيهات للمعافاة منها وتبدلت الصورة الفلكلورية القديمة للشاب العائد في إجازة من التجنيد تكسوه إبتسامة الفخر والعزة متغنياً “أنا راجع م الجهادية ومعايا بندقية” إلى إقفهرار الوجه الذي تكسوه مرارة الذل رافعين أكفهم بالدعاء “إرحمنا م العزبة دية بشرطتها العسكرية” .

 

 

 

التجنيد الإجباري بين الوطنية و”الوطنية”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *