عن الضربة الجوية المصرية لليبيا .. تصدق سلخت قبل ما أدبح

حينما أسترجع ذكريات الماضي تأخذني ذاكرتي حيث مرحلة التعليم الإبتدائي وما تضمنه منهج اللغة العربية من بعض الدروس التي حملت عناوين كـ هيا بنا نلعب وهيا بنا نلعب وهيا بنا نعمل ،ربما لم تعد تلك المناهج مناسبة للأوضاع الحالية ولا المستقبلية في ظل التدني الذي أصاب جميع مناحي الحياة.

وقد لا أكون مبالغاً إذا ما كان توقعي للمناهج المستقبلية أنها لن تخلو من عناوين هيا بنا نطهر “في دعوة لطريقة التعايش مع المختلفين معنا” ،هيا بنا نتحسس “في دعوة لطريقة تعرفنا على الجنس الآخر في التجمعات الكبيرة” ،أما فصل التاريخ الذي سيمجد في الحاكم صاحب الضربة الجوية التي فتحت باب الجماهيرية فلن يخرج عنوانه عن هيا بنا “نقود” والتي سيفسر كل طرف معناها كيفما يريد.

إتخاذ قرار الحرب خارج نطاق مجرتنا العربية يمر بمراحل عديدة ويأخذ وقتاً ليس بالهين وهذا يرجع لمحدودية إمكانيات حكامها أما في بلاد ما بعد العالم الثالث يكفي الدولة لإتخاذ قرار الحرب خروج حاكمها على الجماهير العريضة في بضع ثوان لإطلاق شرارة الحرب فالحاكم في بلادنا يتنزل عليه الوحي ثلاث مرات في اليوم “قبل الأكل” وقراراته دائماً صائبة فهو المؤيد من السماء والمبعوث الإلاهي إلى شعبه.

فلا عجب إذاً مما رأيناه جميعاً من خروج عبد الفتاح السيسي على الشعب بعد نشر فيديو الجريمة البشعة بحق المصريين في ليبيا وإعلانه الحرب على الجماهيرية و”سرعة قذف” مدينة درنة بعد خطابه بساعات قليلة ،والخوف كل الخوف هنا أن تأتي هذه السرعة بنتائج سلبية وهذا ما توصلت إليه جميع الدراسات السياسية والعسكرية بل و”الطبية” وكم كنت أتمنى أن يتوجه له بالنصح أي من مستشاريه “الكبار سناً” ويدعوه لمتابعة الإعلانات التجارية التي تملأ الفضائيات المصرية والتي ربما كانت ستحمل الحل السحري لهذه المشكلة التي وضعنا فيها.

إتخذ السيسي قراره فهلل من هلل وكبر من كبر وزغرد من زغرد إلا أن جميعهم نسى أو تناسى شيئاً في غاية الأهمية إذ لا يزال في ليبيا حتى الآن ما يزيد عن المليون مصري لم تتخذ الدولة قراراً بشأن إجلائهم قبل “سرعة قذف” درنة ،مر الأمر مرور الكرام وستتكرر مأساة مقتل المصريين في الخارج وفي الداخل كمن سبق هؤلاء وستسطر الكتب المدرسية في السنوات القادمة بطولات وإنجازات وفتوحات لم نعيشها على أرض الواقع ،إلا إنه وفي مكان بعيد عن مجرتنا وبعد مرور عشرات السنوات قد نقرأ في مذكرات رئيس دولة أجنبية “سابق” متحدثاً عن رئيس دولة عربية “حالي” أن مكالمة هاتفية جمعتهما وقت القصف وبسؤاله عن كيفية قصفه لدولة بها متطرفين قبل إجلاء رعاياه منها أجابني في ذهول “تصدق سلخت قبل ما أدبح”

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *