السكر فيه سم قاتل

بعدما لاحظ  المقربون مني أعراض مرض السكر عليَ، قاموا  بنصيحتي بأن أذهب إلى طبيب متخصص في مرض السكر. ربما ما دفعهم إلى هذا إقامتي شبه الدائمة في الحمام وكان إرتباطي بالحمام في تلك الفترة أكثر بكثير من إرتباطي بغرفة نومي الأمر الذي دفعني للتفكير في إبتكار حمام محمول حتى أستطيع اللجوء إليه في كل وقت وأي مكان أثناء وجودي خارج المنزل.

وبعد مماطلات عديدة مني لكرهي الشديد لزيارة الأطباء تكررت نفس الدعوة من أصدقائي بضرورة الذهاب لطبيب متخصص في مرض السكر. بدأ الشك يقتلني بحثاً وراء السبب فى دعوتهم تلك هل هي لشربي كميات كبيرة من الماء وخوفاً منهم من أن أجور على أنصبتهم في مياه النيل؟

هنا قررت أخيراً الذهاب إلى أحد الأطباء المتخصصين في مرض السكر وطلبت من أحد الأصدقاء المقربين مرافقتي لتلك الزيارة الثقيلة على قلبي ،ذهبنا وبعد كشف الطبيب وإجرائي بعض التحليلات نظر إلي الطبيب مبتسماً وفاجأنى قائلاً: “انت مريض بالسكر يا ابنى”.

لم أستوعب الموقف لدقائق معدودة من هولها لكرهي الشديد لروتينية الإلتزام بموعد يومي لأخذ الدواء إلا أن رد فعل صديقي هالني أكثر من مفاجأة الطبيب نفسه ،إذ قام بتهنئتي قائلاً: “مبروك أخيراً حصلت على شهادة معتمدة بأن دمك مليء بالسكر .أخيراً جائت لك الفرصة التى تستطيع أن تغيظ كل من حوالك ممن يتهمونك بثقل الدم بحصولك على هذه الشهادة.”

أنهينا زيارة الطبيب وذهبنا للجلوس على المقهى وأثناء حديثنا قاطعنا صوت أتى من بعيد موجهاً حديثه لي: “سكر ايه يا ابنى الى عامل لك القلق ده كله” … كان هذا هو صوت القهوجي والذى ترك زبائن المقهى وطلباتهم وقام بسحب كرسي مخصوص والجلوس بجواري كي يصف لى الوصفة السحرية للتخلص من السكر ناصحاً إياي : “بص يا ابنى بما إن السكر عندك عالى يبقى عليك بالمأكولات المليئة بالملح الكتير علشان ده يعادل ده والسكر معدله يقل وتقوم بالسلامة “.

ربما لم يتوقع أحد ولا أنا شخصياً رد فعل أحد رواد المقهى ذو العمر الثمانيني والذي قام باصدار صوت لا أعلم حتى هذه اللحظة هل مصدر هذا الصوت فمه أم أنفه غير أن ما إسترعى إنتباهى هو أن هذا الصوت قد خرج من أعماق أعماق صدره بالدرجة التى جمعت حولنا جميع رواد المقهى بل وبعض رواد المقاهى المجاورة. كان هذا اليوم مليئا بالمزيد والمزيد من المضحكات المبكيات فما بين خوف أحد الأصدقاء من السلام عليّ عن قرب خوفاً من العدوى “قمة الإعجاز العلمي في الثقافة الصحية” ،وما بين سخرية بعض الأطفال الصغار بإخبارهم لي إيثارهم البعد عني خوفاً من إلتفاف النمل من حولنا، وبين نصيحة إحدى العجائز لي بأن السكر ربما يضعني تحت طائلة الحسد لأن أسعار السكر فى إرتفاع دائم وقد لا يجده البعض “إعتقاداً منها أن مريض السكر يختزن السكر في جسده كما يختزن الجمل الطعام في سنامه مثلاً”.

إنتهى اليوم العجيب وعدت إلى المنزل الذى أعلنت فيه حالة الطوارىء منذ الوهلة الأولى لمعرفتهم بما أصابني فالبيت كله صار في إتجاهٍ واحد ضد كل شيء يضاف إليه السكر ، في محاولة منهم لفرض السيطرة حتى لا تتفاقم الأوضاع الصحية، وتم وضع قيود دقيقة لعدم الإفراط في إضافة السكر للمشروبات والتقليل من تناول المأكولات المصنوعة منه .

ومع إستمرار النصائح من كل من يعرفني ومن لا يعرفني توقعت أن يأتي اليوم الذي أستمع فيه لمذيع الراديو ملقياً بياناً مفاده “من حكمدار بوليس العاصمة إلي أحمد إبراهيم القاطن بدير النحاس لا تقترب من ربع كيلو السكر الذي أرسلت إبنتك في طلبه .. السكر فيه سم قاتل .. السكر فيه سم قاتل.” .

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *